السلفية في طريق النهضة.. مشكل أم حل؟
السلفية مشكل أم حل؟ سؤال لم يبرح أذهان كل المسكونين بأسئلة النهضة وهمومها، وهو سؤال فيه من الأهمية ما يفرضه كون معظم الحركات النهضوية في عالمنا العربي أو الإسلامي داعية للسلفية أم معادية لها!
المفكر والفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري حاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال سلسلة مقالات متفرقة نشرت بملحق وجهات نظر الذي يصدر عن صحيفة الاتحاد الإماراتية، ضمن سلسلة مقالات مميزة عن قضية ومفهوم الإصلاح.
وقد اخترت أن أعرض لخمسة مقالات يمكن أن تمثل رؤيته لقضية السلفية وموقعها في جدل النهضة.
والجابري غني عن التعريف؛ فقد قدم للمكتبة العربية 30 مؤلفا في قضايا الفكر المعاصر؛ أهمها كتابه الشهير "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوربية وشرقية، وهو يعمل أستاذا للفلسفة والفكر العربي الإسلامي بكلية الآداب في جامعة محمد الخامس.
السلفية أم التجربة التاريخية؟
افتتح الجابري النقاش بمقالة تأسيسية (طالع: "السلفية أم التجربة التاريخية للأمة؟") توقف فيها أمام السلفية وفعلها في حركة الأمة نحو النهضة ليرصد ويقرر كيف أن جميع الحركات السلفية التي عرفها التاريخ العربي الإسلامي كانت بمثابة تعبير عن عملية إعادة التوازن الذاتي.. وأن السلفية كانت دائما ذلك الجزء من التجربة التاريخية للإسلام السني الذي تستعيد منه هذه التجربة ما يحفظ لها الوجود والاستمرارية عندما يفرز تطورها الداخلي ما يهددها بالاندثار.
فالسلفية -كما يقرر الجابري- نوع من المقاومة الذاتية لأمراض داخلية ذاتية المنشأ.. ومن ثم تتسع -عنده- حمولة مفهوم "السلفي" ليشمل في آن واحد: "محاربة الاستعمار، ومحاربة البدع والتقاليد الاجتماعية (الشعبية)، والدعوة إلى التجديد والتحديث في كل مجال في الفكر والسياسة والاجتماع".
غير أنه حين يؤكد هذه الحقيقة يتخذها منطلقا يتجاوز به رؤية أنصار السلفية الذين يرونها وجها وحيدا لأي إصلاح أو نهضة؛ فهو يؤكد "أن جميع التيارات السلفية من الحسن البصري إلى محمد بن عبد الوهاب إلى الأفغاني ومحمد عبده إنما كانت أحد مظاهر التجربة التاريخية للأمة، أحد مظاهرها الإصلاحية، بل أحد مظاهر الإصلاح فيها"، ومن ثم فيجب ألا ينظر إليها كوجه وحيد، ويخرج من ذلك إلى القول بأن "التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية تجربتها الراهنة مع الحضارة المعاصرة لا يكفي فيها استلهام نموذج السلف الصالح وحده. فهذا النموذج إنما كان نموذجا كافيا لنا يوم كان التاريخ هو تاريخنا".. فالنموذج المنشود "ينبغي ألا يكون من نوع (النموذج السلف) الذي يقدم نفسه كعالم يكفي ذاته بذاته؛ بل يجب أن يشمل جماع التجربة التاريخية لأمتنا مع الاستفادة من التجربة التاريخية للأمم التي تناضل مثلنا من أجل الوجود والحفاظ على الوجود، وأيضا -ولم لا؟- من التجربة التاريخية للأمم التي أصبحت اليوم تفرض حضارتها كحضارة للعالم أجمع".
ويؤسس رؤيته على أن "السلفية كانت كافية وفعالة وإجرائية يوم كنا وحدنا قي بيت هو بيتنا وبيت لنا في الوقت نفسه"، أما الآن فلا بد من التعامل بمنطق جديد تفرضه التغيرات "منطق الحضارة المعاصرة، ويتلخص في مبدأين: العقلانية والنظرة النقدية العقلانية في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الاجتماعية، والنظرة النقدية لكل شيء في الحياة؛ للطبيعة والتاريخ والمجتمع والفكر والثقافة والأيديولوجيا".
وعلى هذا فإن منطق "سيرة السلف الصالح" التي تمثل "المدينة الفاضلة" في التجربة التاريخية للأمة كان يقوم على أن الدنيا مجرد قنطرة إلى الآخرة، وقد أدى هذا المنطق وظيفته يوم كان العصر عصر إيمان فقط وليس عصر علم وتقنية ومصالح وأيديولوجيات وصراعات دولية وطموحات للهيمنة العولمية