هل الاشتراك في الأحزاب يبقي القضية الفلسطينية على رأس أولوياتك
--------------------------------------------------------------------------------
يعتقد الناس البعيدون عن السياسة بان السياسيين والحزبيين أناس شرفاء، يعملون من اجل الوطن ويسهرون على راحته؛ وينظر الناس لهم نظرة احترام وتبجيل غير مدركين انهم يضحكون على أنفسهم، لأنهم أمام مجموعة من الناس يهمها مصالحها ومراكزها مثلها مثل أي شركة تجارية تريد أن تحتكر السوق وحدها.
التجار أيضا وطنيون ويهمهم مصلحة الوطن ويعملون دائما لتحسين اقتصاد البلد وتطوير وضع الناس الاقتصادي لكن على ألا يتضارب ذلك مع مصالحهم الاقتصادية، يحاربون البضائع الإسرائيلية إن كانت تعطل بضائعهم الوطنية وإلا فاستيراد البضائع من إسرائيل يصبح شرعا حتى لو كانت أغذية فاسدة من مخلفات المستوطنات الإسرائيلية كما فعل احد وزراء السلطة في حينه - أبوعلي شاهين من غزة - قبل عدة أعوام؛ دون أن نسمع عن قيام السلطة بمحاسبته أو عزله من منصبه.
هذا الوزير كان في السجن الصهيوني في سبعينات وثمانينات القرن الماضي واحد ابرز قادة الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية، يقود نضالهم ضد إدارة السجون؛ وعندما أصبحت مصلحته تتطلب أن يبيع بضائع صلاحيتها منتهية للشعب الذي دخل السجن لأجله لم يتوان عن ذلك أبدا.
فالسياسيون والحزبيون لا يختلفون عن تجار الوطن في شيء اللهم في أن بضاعتهم تختلف عن بضاعة منافسيهم من تجار الملابس أو الأغذية مع أن بعضهم يمارس المهنتين وخصوصا الوزراء ومسئولي الأجهزة الأمنية الذين يبررون ذلك بأنهم يعملون على توفير الأموال لأجهزتهم الأمنية لكي تقوم بدورها في حماية الشعب من اللصوص والجيش الإسرائيلي، مع أنها، أي الأموال، تذهب لحساباتهم في سويسرا وغيرها من البلدان .
كل حزب مهما كان حبه للوطن يهمه موقعه في خارطة الوطن وفيما بعد في الحكم وهو لذلك يمارس كل أنواع الزيف والخداع، تحت مسمى التكتيكات، من اجل بيع شعاراته للناس لكي يلتفوا حوله لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة.
ومثلما يتصارع التجار ويتضاربون، والكبير يبلع الصغير، كذلك في العمل الحزبي والسياسي، حتى أعضاء الحزب الواحد من الممكن أن يتصارعوا وينقسموا ويصبح كل منهم عدوا للآخر من اجل تفاهات شكلية لا علاقة لها بالشعب ولا بالوطن الذي يعملون من اجله.
كل حزب مستعد أن يتحالف مع أي حزب يحقق له المزيد من المقاعد وليس فقط المزيد من خدمة الناس. وكل سياسي مستعد لإقامة الولائم والتوسط لهذا وذاك عند الرئيس ليكون على قائمة المنتفعين في أول فرصة تلوح في الأفق.
إن كان صديقك لصا عاديا فحافظ عليه، فقد يتوب يوما ما، أما إن كان سياسيا أو حزبيا أو حركيا فاحذر منه فقد ينقلب ضدك يوما ما لان مصالحه تتطلب ذلك.
إذا خرجت مسيرة في شوارع فلسطين فانك تقرف حتى التقيؤ وأنت ترى عشرات بل مئات الأعلام الحزبية حتى يخيل لك انك في الصين أو غواتيمالا، إلى أن يساعدك الله وترى بين الجموع متظاهرا شهما أبى إلا أن يحمل علم فلسطين ليشاهد الناس في العالم الآخر أنها مظاهرة من اجل فلسطين وليس من اجل الأحزاب، بينما لو سارت مظاهرة في أوروبا من اجل فلسطين نرى عشرات الأعلام الفلسطينية ترفرف "أنا فلسطين أرحب بكم". كل حزب يريد أن يسجل أمام عدسات الكاميرات انه موجود وانه الأكبر ـ طز.
في فلسطين تتبارى الأحزاب في أيهم يلتقي مع الوفود الوطنية ليمرر من خلالها مشاريع اقتصادية وهمية لأعضائه أو أصدقائه أو أقارب احد قياداته، وان سألتهم عن ذلك قالوا انهم يساعدون الشعب في تطوير اقتصاده المتدهور.
في العمل الحزبي قد تصارع أخاك أو أباك وقد تمارس كل أنواع الكذب واتهام الآخرين، كل حزب يتهم الآخرين بان برامجهم هي الأسوأ وأنهم هم الأفضل وان الآخرين قادوهم للهزائم. دون أن يكون لهم أنفسهم أي دور.
إن كنت حزبيا وتركت الحزب يا ويلك وسواد ليلك، فأنت:
انتهازي ومنهار ومتساقط.
تركت الوطن والوطن بحاجة إليك.
مشبوه.
أفكارك رجعية.
تخليت عن رفاق وأخوة الدرب ودم الشهداء والجرحى.
لا تستحق شرف العضوية.
أنت صاحب نفس قصير لا يهمك الوطن.
أنت تافه لا تستحق شرف أن تكون صديقا لأحد.
وعندما تكون عضوا في تنظيم كبيييييييييييييير أو تعرف أحدا من تنظيم عامر بالأبوات فأنت حر أن تكسر القوانين وتعتدي على الناس وان تغازل هذه وتلك، حر في أن ترفع راسك مغرورا، حر في أن تسكر ليلا وتعربد، وإذا أراد احد أن يقاومك لا عليك بإمكانك أن تستدعي أصدقاءك في الحزب أو الحركة ليلقنوه درسا لن ينساه. طبعا عليه أن يعلم انك ابن الحركة أو الحزب وإهانتك إهانة لكل شرف الحزب.
إن كنت عضوا في الحزب وشكت أختك لك أن زوجها يغلبها، لا عليها، فبإمكانك أن ترسل له بعض الأنصار ليلقنوه درسا لن ينساه كيف يعتدي على أخت مناضل شهم ؟! يبدو انه غبي.
على الناس أن يتعلموا كيف يحترمون أعضاء الأحزاب لأنهم يناضلون من اجل الوطن.
أما إذا ذهبت لتل أبيب ورأيت أيا من المناضلين سهرانا مع شراميط روسيا وأوكرانيا فلا تغضب ولا تستغرب فهو أولا ب.... يهوديات يعني نضال وطني وما يدريك فقد يكون في مهمة وطنية يتجسس على الأعداء ويتحسس مواقع ضعفهم، وإذا رأيت عضوا في حزب يسكر مع أصدقائه وزجاجات الويسكي تملا طاولته فلا تستغرب لان النضال يتطلب إراحة الدماغ. وماذا يعني شرب الويسكي في النضال الوطني ؟! فكما يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره في اللغة فان عضو الحزب عندنا والسياسي يجوز له ما لا يجوز لغيره.
دفع الخاوة للحزب أو لمسئول امني أو شرطي أو قيادي ليس حراما لأنك تدفعها لأبناء وطنك الذين يحموك من الزعران أو يتوسطون لك في منصب، وإذا قررت عدم الدفع لا مانع فسوف يسلطون الزعران عليك ليضربوك أو ليخربوا مطعمك أو محلك التجاري او لتتهمك أجهزتهم الأمنية انك عميل. ليس بالضرورة أن تكون عميلا رسميا تنفذ أوامر احد ضباط الموساد بل قد تكون عميلا في أفكارك التي تزرعها في رؤوس العباد.
في الانتخابات لا تسال ماذا يجري فكل التزييف مشروع من اجل مصلحة الحزب، ولماذا نشعر بالخجل من ذلك، مصلحة الحزب هي مصلحة الوطن. والوطن بدون حزب وطن ضايع مع انه ضاع من خمسين سنة.
حتى الأغاني أصبحت معظمها للأحزاب وقادتهم وليس للوطن والناس، ليست للأشجار الشامخة ولا لكرم العنب ولا لجفرا بل لهذا الحزب أو ذاك، لهذا القائد أو ذاك. فأصبح في قاموسنا القائد الرمز، والقائد الأب والقائد المناضل، وعلى رأسها القائد، القائد المارشال.... الخ، وهذا يغني لليسار وهذا يغني لليمين وآخر يغني {{ فتح وبس وغيرها خس }} أصبحنا خساٍ أخر الزمان لا فينا برتقال ولا بطيخ. وتسمع غيره يغني إحنا حزبك يا لينين، ما بنكل وما بنلين. مع أن في هذا الوطن أبطال كثيرون يحق لنا أن نفتخر بهم لا في لينين ولا ستالين، لا تسمع تعليقا على هذه الأغنيات التي غاب الوطن عنها بل ضحكا وسرورا، هذه هي الثقافة التي يعلمها أقطاب الأحزاب لناسهم، ثقافة فئوية عفنة شربناها حتى الثمالة وانزلقنا فيها مرحلة من الزمن الضائع، تفوه على هيك ثقافة.
حتى الشهداء تم تقسيمهم فهذا عميد الشهداء وهذا شيخهم وهذا رمزهم وهذا أولهم، كل حزب يتغنى بشهدائه، وكل حزب ينشر صور شهدائه ويوزع البوسترات عنهم، أما شهداء الأحزاب الآخرين فلا يجري ذكرهم إلا كخبر صغير وربما يهملون تماما. فالشهداء عند الأحزاب ورقة دعاية وليست قيمة نضالية أو وطنية، مجرد إعلان يمجد الحزب لا الوطن ولا أبناءه.
أن تكون حزبيا أو سياسيا، وليسمح لي بعض الناس الشرفاء في أحزابهم أن أقول، يعني أن تكون كذابا، أن تكون منافقا وان تكون عاهرا تمارس مهنة الدعارة، واقصد الدعارة السياسية - وهي لا تختلف عن الدعارة الجنسية بشيء إلا بنوع البضاعة. الذين يمارسون الدعارة الجنسية يضحكون على زبون واحد؛ بل ربما لا يضحكون عليه لأنه يدفع مقابل ما جاء من اجله؛ لكن الذين يمارسون الدعارة السياسية يضحكون على شعب بأكمله أو اغلبه ولا يستفيد ابن الوطن شيئا من تجارتهم ولا حتى مضاجعة مومس.
{{ وآه يا وطن